النرجسية و الدين
أولا: لنتطرق لمفهوم النرجسية بشكل بسيط :
النرجسية: اضطراب يصيب الإنسان، فيؤدي لانحراف مشاعره من حب الغير إلى تعظيم الذات وعشقها ، فيترتب عليه ترك للتضحية، والبذل، والعطاء، والتعاون، والتماسك بين الأفراد والجماعات، وبين الآباء والأبناء ، ويصبح النرجسي محبا للأنانية، والطمع، والجشع، والاستحواذ، وحب التملك، والتسلط، والسيطرة، والعنف.
ثانيا: علامات النرجسية في الشخص :
علاماته كثيرة جدا وسأذكر بعضها اختصارا..
- النرجسي لا يشعر بالذنب والندم ولا يلوم ذاته ، ويستخدم الحيل الدفاعية من اختلاق الأعذار لأخطائه ،وهذا ينم عن عدم إحساسه بالمسؤولية تجاه أفعاله.
- النرجسي مفتون بذاته إلى حد الغرور والكبر، فهو كثير المديح لنفسه، ودائما يتحدث عن أمجاده وإنجازاته بشكل دائم ومبالغ فيه .
وهذا الأمر قد نراه في بعض الأساتذة المعجبون بإنتاجهم العلمي للحد الذي لا يقرأون فيه ماكتبه زملائهم ، بل ويجبرون طلابهم على قراءة مؤلفاتهم وحدهم .
هناك عدة أسئلة ترد لأذهاننا :
هل يجتمع الدين والنرجسية ؟
كيف سيكون النرجسي متدين ؟
النرجسي شخص يرى ذاته عظيمة، وكل ماسواه حقير ، ولا يستحق أن يكون أفضل منه ، والدين يرى أن الناس متساوون ، ويجب أن تعامل الناس بالحسنى ، والمسلم يجب أن يكون متواضعا ، فلا يكذب ولايخادع ولا يتكبر ولا يغتر بنفسه .
فالنرجسي بين خيارين :إما أن يكون الدين دخل قلبه فهذب تصرفاته وأخلاقه ، أو أنه ربما سيتكبر على عبادة الله ويمارس العبادة رياء ونفاق.
هل يمكن أن يعترف بأغلاطه ويتوب ؟
ليس علينا أن نحكم على الناس، لكن الذي يظهر من تصرفات النرجسي أنه شخص ممثل مخادع متكبر متعجرف، ولايرى إلا نفسه ، وقد يمثل الدين ليحقق مصالحه ،ويظهر هذا في خداعه ومكره، ورأينا بعض الأشخاص يمارس نرجسيته في المساجد وهو يلبس عباءة الدين،
ويظن نفسه الأكثر تدينا ، والأفضل بين الناس فيوجب على الجميع أن يخضع لرأيه،
بل قد يقتل الأخ أخاه لمخالفته في رأيه ،
والمسلم يعي جيدا أن التدين لايعني أنك أفضل الناس وأفقههم، ولا يعطي لك الحق لتحكم لمن تشاء بجنة أو نار.
ثالثا: ماسبل الوقاية التي حث عليها الإسلام للوقاية من أمراض النفس والعقل؟
جاء الإسلام معززا لمخالطة الناس بحثهم على الجمعة والجماعات ، وحضور مجالس الخير وزيارة المرضى ومواساة أصحاب الحاجات ، بل وأقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومجاهدة النفس على الصبر على مخالطة الناس ،ومعاملتهم بالحسنى ، فالمسلم معياره في الحياه هو تقوى الله والخوف منه ، فيتواضع مع المؤمنين ولا يتعالى عليهم، ويعلم حق العلم أنه لافرق بيننا في الأصل ولا في الجنس ولا في الطبقات ولا في الثراء ،"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" ،فالبغي والفخر والكبر والعنف والعدوان من الصفات المذمومة في الإسلام ،وفي الحديث"وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله".
وورد أيضا في تحريم الكبر والعجب قول الله تعالى" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " ،وقوله:" ولا تمش في الأرض مرحا "
فعلى المسلم أن يتواضع في غير مذلة ويجعل التواضع من أهم صفاته التي يتحلى بها .
رابعا:هل هناك علاج للشخصية النرجسية ؟
النرجسي يرى نفسه محور الكون ومادونه أقزام، للأسف من الصعب جدا علاج هذا الاضطراب ، وسبب هذا أن الشخص المصاب لا يرى أنه مخطأ بل يرى أنه أفضل الناس وأحسنهم ، فلا يفكر في علاج أصلا ولا يفكر في التغيير أبدا.
-هل الدين يؤثر أو يخفف من اضطراب الشخصية النرجسية ؟
جاء الإسلام ليقرر أهمية تمتع الفرد بالصحة النفسية والجسدية ،ويحافظ عليه من الأمراض ومن الانحراف ، فجاء معززا لمكارم الأخلاق ،ومحذرا من كل مايؤذي المسلم ، فمن رأى في نفسه صفة من صفات النرجسية فليحمد الله أن بصره بعيبه وليسارع لعلاج هذا الأمر ويسأل الله أن يرزقه حسن الخلقونفس متواضعة وأن يستغفر الله بأفعاله لا بأقواله فحسبالخاتمة:
في هذا المقال استعرضنا حالة من الحالات التي قد تصيب الإنسان باضطراب فتؤدي لانحرافه عن الطريق المستقيم ...
نسأل الله أن يرزقنا حسن القول وحسن العمل .. آميين .