recent
أخبار ساخنة

سلسلة القطر الندي من أدعية النبي ﷺ (4)

 سلسلة القطر الندي من أدعية النبي ﷺ (4)

الدعاء الرابع

                                     لتحميل شرح الدعاء صوتيا:
                                                      هنا

لتحميل التفريغ الكتابي:
pdf
doc


الدعاء الرابع

«اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ ‌دِقَّهُ، ‌وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ».

في هذا الحديث
أولاً: هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: «فِي سُجُودِهِ» فهذا دعاءٌ من أدعية السجود.

التعليق على الحديث:

أولاً: هذا الدعاء يُقال في أشرف حال وأشرف مقامٍ يقف فيه الإنسان وفي أعظم وقتٍ يتذلل فيه العبد ويخضع لربه وهو (السجود)، لأن الوجه هو أشرف ما في الإنسان، فإن الإنسان يجعل هذا الوجه في نفس الموضع الذي يطأه بقدمه، الأرض توطأ بالقدم، ومع ذلك، الإنسان يقول: "يا ربي طلباً لمرضاتك، خضوعاً لك يا ربي، سجوداً لعظمتك. لكبريائك. لجبروتك يا رب، فإني أضع وجهي، أشرف ما عندي، أضعه في الأماكن التي توطأ بالأقدام " وذلك برفع الأسافل وخفض الأعالي.
 
الأمر الثاني: لو أن شخصاً من أهل الدنيا قيل له: " ستقابل ملكاً -أو وجيهاً -فحضّر وجهّز أسئلتك." لا شك أنه سيحضّر من الأسئلة أشد ما يؤرقه وسيستحضر أعظم مشكلةٍ تواجهه ليبثها بين يدي هذا الملك أو الوزير أو الوجيه أو أيًّا كان... فهذا الإنسان أقرب ما يكون من ربه ساجدا، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) فالنبي صلى الله عليه وسلم في السجود يسأل المغفرة، فدل ذلك على
 أن أعظم مطلوبٍ هو الاستغفار وطلب المغفرة.

وأن أعظم شيءٍ يؤرق الانسان هي هذه الذنوب، ولذلك يستغل هذه الفرصة -التي ربما تكون هي آخر سجدةٍ في حياته -ليجعلها في طلب الاستغفار، فهذا فيه منزلة الاستغفار ومزيته العظمى ودرجته السامية.

اللهم اغفر لي، والغفر: الستر، أي: اللهم استر ذنبي، ويكون تبعاً لذلك ألا تؤخذني بذلك الذنب، بل إن الله إذا غفر هذا الذنب وستره ولم يؤاخذ به بدله إلى حسنات: (يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سئاتهمۡ حَسَنَٰتٖۗ) وهذا غاية في اللطف والكرم والتفضل والبر من الله.

اللهم اغفر لي ذنبي كله هذا إجمال بمعنى: "ثم اغفر لي ذنوبي كلها يا رب، ما أتيته كله اغفره".
ثم جاء التفصيل (دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره).

كان يكفي أن يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله) فلماذا هذا التفصيل؟
ما فائدة التفصيل؟
فنقول هنا فائدتان عظيمتان في ذكر التفصيل بعد الإجمال:
الفائدة الأولى: أنه يكثر من الدعاء، والدعاء عبادة، فكلما ذكر كلماتٍ زائدةٍ في الدعاء كان ذلك زيادةً في العبادة، والدعاء هو العبادة كما عند الترمذي وغيره.
الفائدة الثانية أن العبد يستحضر هذه الذنوب
دقه: الذنب الدقيق، أي الصغائر التي لا أتنبه لها أو التي أكثر منها أو التي تجرأت بها يا ربي سبحانك وتعالى اللهم اغفر لي هذه الذنوب.
 دقها: أي دقيقها، الدقيق الشيء اليسير.
وجِله: أو جلُه، يروى بكسر الجيم وبضمها، وهو الذنب الكبير أو الكبائر. "يا ربي حتى الكبائر " فيستحضر الإنسان في ذهنه كثيرًا من الجرائم التي لا يعرفها إلا الله، وكبائر الذنوب التي اقترفها ولا يعلم عنها إلا الله، فكل ذلك يجعله ينفر عن هذا الذنب ويتذكره ويُحجم عنه لاحقاً ولا يعود إليه.

وقد قال (دقه وجله) لأن هذه الكبائر إنما هي مولودةٌ من الصغائر، فلا يزال الإنسان يمارس الصغائر حتى يقع في الكبائر، ولذلك ناسب أن يبدأ بدقه وهي الصغائر وجِله أو وجُله.

وأوله وأخره: 
أوله: إشارة إلى كل ذنبٍ سلف
وأخره: كل ذنبٍ سيلحقني. يا رب اغفر لي ما سبق وما لحق وما بينهما.
لأن العرب تذكر طرفي الشيء لتعني به الإحاطة كما قال الله عن نفسه في القرآن: (رَّبُّ ‌ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا) أي ‌رَبُّ ‌ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَمَا بَيۡنَهُمَآۖ
فالعرب تذكر طرفي الشيء وتعني به الإحاطة مع الوسط .

وعلانيته وسره: ثمة ذنوبٌ يا رب أنا ارتكبتها أمام الناس، جاهرتُ بها، وأنت يا ربي قلت في القرآن: (لَّا ‌يُحِبُّ ‌ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ) وقال: " ‌كُلُّ ‌أُمَّتِي ‌مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ" وكل هذه الذنوب التي ارتكبتها في العلانية يا رب اغفرها.

وسره :وهذا كثير ، بل ربما هو الأكثر ،  أن الإنسان ثمة بينه وبين الله جرائم وموبقات وفواحش ومنكرات وأشياء لا يعلم بها إلا الله،  فهو يطلب من الله أن يسترها عليه ، يطلب من الله أن يغفرها له و لا يؤاخذه بها ، يطلب من الله أن يبدل هذه السيئات إلى حسنات ، وهذا فيه جلالة هذا الدعاء وأنه مما ينبغي أن يحرص الإنسان عليه في أوقات الإجابة وفي سجوده ، و يحرص على الأدعية النبوية ، فإنها شاملةٌ لكل خير ، والإنسان إذا غفر الله له ذنوبه وأذهب عنه هذه الأشياء التي تكدر صحيفته أفاض عليه جوده وخيره وبره ورحمته وعفوه وكرمه إنه هو البر الرؤوف الرحيم اللطيف.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم جمعتكم عطروا جمعتكم بكثرة الصلاة والسلام على النبي المختار.




google-playkhamsatmostaqltradent