لتحميل المقطع الصوتي:
لتحميل التفريغ النصي:
سلسلة القطر الندي من أدعية النبي ﷺ (7)
الدعاء السابع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
ثم أما بعد:
فكما تعودنا في كل جمعةٍ أن نطيف القلب ونجيل الفكر والخاطر حول شيءٍ من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم في السلسلة المرصودة بعنوان:
(القطر الندي من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم).
وتتأكد هذه السلسلة ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان والذي فيه الدعاء، ومن عجيب أمر الدعاء أن له مركزيةً في رمضان، ألا ترون أن آية الدعاء توسطت آيات الصيام؟ قال الله ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ .. ﴾ ﴿أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ..﴾ثم قال﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ..﴾ثم قال ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ ..﴾ثم قال ﴿أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ...﴾.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ) أخرجه ابن ماجه.
فمن آكد ما يتعين على الإنسان في هذا الباب أن يحرص على هذه الأدعية وهذه الاستعاذة التي ستأتينا في لقاء اليوم، حتى أن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ) كان يشد عليهم كما يعلمهم القرآن ويعلمهم هذه الاستعاذات لأنها حوت خير الدين والدنيا والآخرة.
نقرؤه ثم أعلق عليه سريعًا:
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ).
اللهم إني أعوذ بك من الكسل: الكسل هو التثاقل، لأنه يبطئ بالإنسان عن فعل الخيرات، يبطئ به عن الصيام. عن صلة الرحم.. عن قيام الليل.. عن فعل كل خيرٍ، فالكسل هو التثاقل العجيب الذي يكون قريبًا من العجز.
والهرم أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر فتخور قواه ويضعف عقله وتتحول كثير من أحواله وصفاته، وكثير من شمائله كالصبيان فيكون ذلك شديدًا عليه وشديدًا على قرابته وأهله ومن يكونون عنده ومن يرعون شؤونه.
والمأثم هو الإثم، يا رب أعذني من كل ما يوقعني في الإثم، إثم النظر إلى النساء.. إثم الكذب.. إثم كذا.. أي شيءٍ يحملني على الإثم والذنب يا ربي أبعده عني ونجني منه.
والمغرم الدَّيْن، ولذلك قال أحد الصحابة: يا رسول الله مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ، فَقَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، ووَعَدَ فَأَخْلَفَ) الإنسان إذا استدان فإنه يحمله ذلك على كثرة الكذب وإخلاف المواعيد ويكون ذلك سبةً وعارًا عليه، فالدَّيْن لا خير فيه إلا ما كان من الضرورة القصوى وينوي الإنسان السداد (فإن مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي المغرم يعني كثير من الناس يستدينون لأمور تافهة وأمورٍ لا حاجة لها من التحسينات والكماليات ثم يتورطون وبعد ذلك يعني يعجزون عن السداد، كل هذا لا خير فيه.
من فتنة القبر وذلك بالامتحان والسؤال ما ربك ما دينك؟ فمن زل لسانه وخاب جنانه ولم يكن توحيده خالصًا لله فإن هذا الامتحان يؤدي به إلى العذاب الشديد.
وعذاب القبر والقبر فيه أهوال وفيه أن الإنسان إذا قال ها ها لا أدرى يضرب بمرزبةٍ بين فوديه يسمعه كل من يليه إلا الإنس والجان ـ في حديث: (...قَالَ: وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ. وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً، يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ).
وهذه المطارق التي يضرب بها جاء في وصفها أهوال مروعة "وقد ورد في بعض الأحاديث أنه لو اجتمع عليها أهل منى ما أقلوها" شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5/ 501) .
ومن فتنة النار وعذاب النار لأن هذه النار محرقة، وهذه النار التي في دنيانا ما هي إلا جزءٌ من تسعة وتسعين جزءًا من مائة جزءٍ من الذي في النار، لا شك أنه أشد وأشد وهي نارٌ سعير (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ) كما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، جمرتان فقط تحت رجليه يرى أنه أهون أهل النار عذابٌ.
ومن شر الغنى انظروا إلى هذه الدقة في الدعاء، ما قال: (ومن الغنى) النبي ما استعاذ من الغنى، لا، بل استعاذ من شر الغنى.
لأن الغنى له شقان:
1. شقٌ فيه خير وإيجابية هو الاستغناء عن الناس، والصدقة ومساعدة الفقراء والمساكين .
2. شقٌ غير جيد وهو يحمل الإنسان على الاستعلاء وممارسة الذنوب والفواحش فيستعيذ من الجانب السلبي فيقول أعطني خير الغنى وجنبني شره.
وأعوذ بك من فتنة الفقر فالفقر وإن كان له إيجابيات، يحملها الإنسان على التطامن. على كذا.. على كذا.. ولكن مع ذلك فيه سلبيات، فيا رب أعذني من فتنة الفقر؛ لأن الفقر أيضًا فتنة يحمل الإنسان على أمور لا يحبها، وأيضًا يستذله الناس، ويتكفف الناس ويمد يده، فيعوذ بالله من الفقر فالتوسط جيدٌ وإن كان إنسان تيسر له الغنى فليصرفه في الخير وليستعذ بالله من شر الغنى.
وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال سمي المسيح لأنه ممسوح إحدى العينين، والدجال: فعَّال، كثير الدجل والكذب والتلبيس وهو أعظم فتنة (وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ).
اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد هذي مبالغة، الثوب إذا غُسل ثم بعد ذلك بُرّدَّ من حرارة الوسخ كان ذلك أوعب لإزاحة ذلك الوسخ، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد. نقها مني يا ربي.. اعف عني عفوًا مبالغًا فيه.
ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس لأن هذا القلب هو الذي يحمل الجسد على السير إلى الله، ألا ترون أن الشيخ الكبير يصلي قيام الليل الركعات الطويلة وقلبه هو الذي يحمله وليس البدن في حين أن الشاب الصغير لا يقوى على ذلك ولا يقدر لأن القلب ضعيفٌ، فهذا القلب يا رب نقه لي.. نظفه لي.. أخرج ما فيه من الشهوات.. أخرج ما فيه من الشبهات.. من الذنوب والخطايا وما تعلق به من من إدمان ما لا يحل..
كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس الثوب الأبيض يظهر عليه الوسخ فإذا بولغ في مسحه وإزاحته وتنقيته أحدث له النضارة، فيا رب نضر قلبي واجعل فيه الخير وأخرج عنه كل شرٍ كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس.
وباعد بيني وبين خطاياي يا رب اعف عني عفوًا تباعد به عني ذنوبي
كما باعدت بين المشرق والمغرب اجعل بين ذنوبي وبين مغباتها كما باعدت بين المشرق والمغرب، هذا كناية عن المبالغة في العفو، فيا رب اعف عني سيئاتي التي سلفت ومضت وخلت وأيضًا وفقني ألا أرتكبها في المستقبل.
فوائد الحديث:
1. فدل هذا الحديث بعمومه على سد الذرائع.
2. وأنه جمع للإنسان خيري الدنيا والآخرة، فينبغي للإنسان أن يحافظ على مثل هذه الاستعاذات ولا يجعل دعاءه فقط طلبات لأمور الدنيا بل يجمع بين خير الدنيا والآخرة ﴿ وَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾﴿ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّمَّا كَسَبُواْۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ ﴾.
فنسأل الله أن يوفقنا في القول والعمل وأن يجنبنا الخطأ والزلل
عطروا جمعتكم بكثرة الصلاة على النبي المختار.
ومن فاته رؤيا النبي فماله كأخباره سلوى عن الفوت الأفظع.
اللهم صل على محمدٍ في الأولين وصل عليه في الآخرين وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وأكثروا من الدعاء في عصر الجمعة وقبل الإفطار فقد اجتمع لكم وقتان قلّ أن يجتمع.. كثيرٌ من الناس باغتتهم المنية والموت والأجل.
ادعوا لأنفسكم وأهليكم وأوطانكم ولحكام المسلمين بأن يوفقهم الله بتوفيقه ويؤيدهم بتأييده وينصرهم يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام.
ولا تنسوا إخوانكم وأحبابكم المنكوبين في دولٍ أخرى .. فنسأل الله لنا ولكم التوفيق والعون والهداية والسداد والرشاد إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصل إلهي كلما ذر شارقٌ على خاتم الرسل الكرام الأطايب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رابط الحلقة: