recent
أخبار ساخنة

سلسلة القطر الندي من أدعية النبي ﷺ (8)

 

القطر الندي

لتحميل المقطع صوتي:

هنا

لتحميل التفريغ النصي:

pdf

doc

سلسلة القطر الندي من أدعية النبي ﷺ (8)


الدعاء الثامن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 الحديث الذي سنتناوله اليوم هو حديثٌ أخرجه الإمام مسلم في كتاب ( الذكر والدعاء - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ) ، فدل على أن هذا الدعاء مما يقال عند النوم ، ولأن هذا الحديث في آخره : ( اقض عنا الدين و أغننا من الفقر) لا شك أن الدين مؤرقٌ للإنسان و مانعٌ للإنسان من لذة النوم ومن راحة القلب والفكر والخاطر ، والدَّيْن" همٌ بالليل وذلٌ بالنهار " كما يقال ، والإنسان إذا تَديَّن فإنه يُحدِّث فيكذب و يَعِدُ فيُخلِف ، فكل هذه ويلاتٌ تقضّ مضجع الإنسان وتمنعه من النوم و الالتذاذ به ، فناسب أن يكون هذا مما يختم به الإنسان يومه ، و ربما يموت فييسر الله من يقضي عنه دينه من المخلوقين لأن الدَّيْن شره عظيم.

والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن الشهيد -على عظم ما هو فيه من الأجر والجزاء -يُغفر له كل شيءٍ إلا الدَّيْن، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ، فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَيْنِ، فَانْصَرَفَ فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَيْنِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَحَقُّ الْغَرِيمِ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَيْنِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْآنَ بَرَّدْتَ عَلَيْهِ جِلْدَهُ.  

فدل هذا على أن الدَّيْن شره عظيم وخطره جسيم
ينبغي أن يُتَجنَّب ولا يُلجأ إليه إلا على الضرورة القصوى. والدعاء الذي نحن بصدده اليوم أخرجه مسلم كما قلنا:
«اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقض عَنَّا الدَّيْنَ، وأغننا مِنَ ‌الْفَقْرِ».

هذا الدعاء دعاءٌ عظيم وله شأنٌ كبير، لأنه على أنواع من التوسلات العظيمة إلى الله تبارك وتعالى بربوبيته لكل شيء، هو رب كل شيء، ومنها الأجرام العظيمة كالسموات السبع، وكذلك أعظم المخلوقات وهو العرش، وبإنزاله لأعظم الكلام وهو القرآن، ووحيه إلى الأنبياء، وأيضًا اشتمل على التوسل إلى الله ببعض أسمائه الحسنى كالأول والآخر والظاهر والباطن:
 اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم أي يا خالق هذه الكائنات العظيمة ويا مبدعها ويا موجدها من العدم .. وخص هذه الأمور بربوبيته وذكَرها أولاً لعظمها وعظم جِرمها، يعني أنها كبيرة الجِرم، وأيضا فيها الآيات البينات الدالة على وحدانية الله وكمال خلقه وعظمته وإبداعه، ولذلك قال الله 
(‌لَخَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).

رب العرش العظيم فهنا توسلٌ بربوبية الله للعرش أنه رب هذا العرش، وهذا العرش أعظم المخلوقات.
 والنبي صلى الله عليه وسلم قال «‌مَا ‌السَّمَاوَاتُ ‌السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ».

وأيضًا حديث أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم: «‌ مَا ‌الْكُرْسِيُّ ‌فِي ‌الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ»
والكرسي أكبر من السماوات والأرض، والله  قال : (وَسِعَ ‌كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ) |فالإنسان يتأمل فيجد أن الله  هو الذي خلق هذه الأشياء العظيمة، فكيف بعظمته؟
  فالق الحب والنوى: الفلق: الشق، أي أنت تشق حبة الطعام، والنوى: المعروف الذي يكون في داخل التمر، يسمى نوى.
 والله فالق الحب والنوى ليخرج منها الأشجار والزروع، فالنباتات إما أشجار أصلها نوى أو زروع أصلها الحب، فالله لكمال قدرته وبديع خلقه هو الذي يفتح هذا الحب والنوى اليابس الذي كالحجر لا ينمو ولا يزيد، فينفرج وتخرج منه الزروع العظيمة والأشجار الكبيرة، وهذا فيه آيات باهرة على كمال إبداع الله وعظمته في خلقه  
وقال: (إِنَّ ٱللَّهَ ‌فَالِقُ ‌ٱلۡحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَمُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتِ مِنَ ٱلۡحَيِّۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ) 
ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان فهنا توسلٌ إلى الله  بإنزاله لأعظم هذه الكتب التي اشتملت على هداية الناس، وإنزال الله للكتب هي النعمة العظمى على الناس وهي أعظم من نعمة الطعام والشراب لأنهم محتاجون في الهداية والسير إلى الله إلى هذا الوحي الجائي من الله.

 فالتوراة معروف أنزله على موسى
 والإنجيل على عيسى
 والفرقان هو القرآن، وسمي القرآن فرقانًا لأنه يفرق به بين الحق والباطل، من اتبع القرآن كان على حق ومن لم يتبع القرآن أيا كان منهجه فهو باطل. فهذا فيه دلالة على أن هذه الكتب هي من كلام الله ومن إنزاله.

 ثم بعد أن انتهى من هذا شرَعَ بسؤال مطلوبه بعد ذكر هذه الوسائل العظيمة، طبعًا في حضور الإجابة، ولذلك قلنا: الدعاء ينبغي أن تقدم له بالثناء ومدح الله ولا أحد أحب إليه المدح من الله فالله يحب المدح والثناء خصوصًا بين يدي الدعاء.
 أعوذ بك من شر كل شيءٍ أنت آخذٌ بناصيته فكل شيءٍ هو ملكٌ لله .
 
والناصية هي مقدمة الرأس، فكل المخلوقات تحت قهر الله وتحت ملكه وتحت سلطانه، فهذا اشتمل على الاستعاذة من شر كل شيء، استعاذ به من شر الهوام والدواب والسباع والسيارات والهدم والغرق ونحو ذلك.. لأن كل شيءٍ تحت ملك الله.

ثم بعد ذلك شرع في التوسل ببعض أسماء الله الحسنى:
 اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء الله له الأولية المطلقة، هو سابقٌ لكل شيء 
وهذا الاسم ذكر ابن القيم في طريق الهجرتين معنًا بديعًا حوله مما يتعبد به العارفون تجاه هذا الاسم، اللهم أنت الأول، إذا جئت تنظر إلى نجاحٍ لك أو إلى إنجاز لك في شيء فإنك تنظر إلى الأسباب التي بذلتها، لكن العارفين العابدين لله ينظرون إلى سبق الله لهذه الأسباب، الله هو الأول، فقبل أسبابك هذه (الله) الذي له الأولية المطلقة، فهو الذي يسر لك هذه الأسباب، وأين أسبابك؟ وأنت كنت عدمًا (هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا ‌مَّذۡكُورًا) لم تكن شيئًا، فالله أوجدك وخلقك، فالله له الأولية المطلقة، وهذا أمرٌ عظيمٌ في التعبد، مهما نظرت إلى نفسك بعين الإعجاب والزهو والكبرياء فانظر سبق الله هذه الأسباب التي بذلتها للنجاح كالمذاكرة وكذا.. مَن الذي أعانك؟ من الذي أعطاك إياها أصلاً؟ لو شاء لسلبكها كلها فعاد الأمر كله إلى الله، فانظروا اسم الله الأول، دائمًا هو السابق لكل شيء، كل خيرٍ أنت فيه فاعلم أنه سبقته نعمةٌ من الله وتوفيق.
وأنت الآخر فليس بعدك شيء حتى لو بذلت.. يفنى كل ما في هذه الدنيا لكن وجهه هو الباقي
(كُلُّ ‌مَنۡ ‌عَلَيۡهَا فَانٖ * وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰالِ وَٱلۡإِكۡرَامِ) .
وأنت الآخر فليس بعدك شيء ينبغي أن تعلم أن هذه الأسباب التي بذلتها أنها تنقضي لكن وجه الله باقٍ، الله باقٍ دائم، فهذه الأسباب التي تتكئ عليها.. عندك مال.. عندك جاه.. عندك سلطان.. عندك منصب.. عندك كذا.. هذه كلها تزول، عندك ذكاء.. عندك عبقرية.. هذه كلها محدودةٌ بزمن ولها وقتٌ تنقضي لكن من اعتمد على الله  ونظر إلى آخر الأمر وأن الأمر سببًا وتوفيقا ونجاحا بعد ذلك كلّه إلى الله .
وأنت الظاهر فليس فوقك شيء أي أنت العالي فوق كل شيء فلا شيء أعلى منك، فالله  كل الناس تحت قهره وسلطانه وعظمته.

قال وأنت الباطن أنت المطلع على السرائر والضمائر والخبايا والخفايا وأنت أقرب إلى نفس الإنسان من روحه التي بين جنبيه، الله  أقرب منك إلى روحك التي بين جنبيك فالله  مطلعٌ على سرائرك وضمائرك وخباياك وخفاياك فيحملك هذا على مراقبة الله .

فهذه الأسماء الأربعة مدارها على بيان إحاطة الرب، أن الرب محيطٌ بكل شيء زمانًا ومكانًا 
فالأول والآخر هذي إحاطة زمانية
والظاهر والباطن هذي إحاطة مكانية
 فالله  محيطٌ بكل شيء ثم جاء السؤال والطلب
 اقض عنا الدين بعد هذه التوسلات الجليلة العظيم.
 فالدَّيْن هنا يشمل الأمرين:
1. الدَّيْن حق الله 
2. وحق الآدميين. 
اقض عنا الدين يا رب وفقنا لأن نوفيك حقك من العبادة والتعظيم والتقدير وما أمرتنا من إخلاص العبادة لك وإفرادك بالوحدانية.. وفقنا وأعنا عليه يا رب العالمين واقض عنا الدَّيْن: حقوق الآدميين.. حقوق الزوجات.. حقوق الأولاد.. وهنا كلامٌ يقال، من الفواتير التي يصعب سدادها: حقوق الوالدين وحقوق من تعاشرهم معاشرةً دائمة؛ لأن الأخطاء تتولد كثيرةً كالزوجين فيما بينهما، فإذا كان أحدهما ظالمٌ للآخر مدة عشرين ثلاثين سنة كيف سيقضي هذه الفاتورة يوم القيامة؟ فدل هذا على أن الإنسان لابد أن يراجع حساباته مع المخلوقين، وإن كان دينٌ ماليٍ فأقضه يا رب .

قال وأغننا من الفقر: الفقر هو الحاجة إلى الناس لعدم وجود الكفاية، خلو ذات اليد
 والفقير هو من وجد بعضًا وفقد بعضًا، أو هو الذي لا يجد شيئًا، فلا شك أن الإنسان إذا اجتمع عليه الدَّيْن والفقر كان همه أعظم الهموم يسببه ويقوده إلى الهم والحزن الشديد ويوقعانه في ضررٍ في دينه ودنياه وأخراه وذل الاحتياج إلى الناس ويقع في بعض المحذورات الشرعية كالكذب وإخلاف الوعد والتثاقل عن الطاعات وغير ذلك من الأمور الذميمة.. هذا حاصل ومختصر ما يقال في هذا الأمر.


وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




google-playkhamsatmostaqltradent